الفكر
الدرس الثانى
لقد تعلمنا في الدرس الأول أن المادة الحقيقية في كل شيء نراه هو الله ، وأن كل الأشياء واحدة و لها نفس الروح في درجات مختلفة من المظهر، وأن جميع أشكال الحياة المختلفة هى نفس الحياة التي تخرج من غير المرئى إلى أشكال مرئية ، وأن كل الذكاء والحكمة الموجودة في العالم هى الله ؛ كالحكمة في درجات مختلفة من المظهر ، وأن كل المحبة التي يشعر بها الناس ويعبرون عنها للآخرين ليست سوى القليل - إذا جاز التعبير - عن الله كما يظهر الحب من خلال شكل الإنسان.
الآن عندما نقول أنه لا يوجد سوى عقل واحد في الكون بأكمله ، وهذا العقل هو الله . فقد تابع بعض الأشخاص بفهم الدرس الأول ، واعترفوا بالله كحياة واحدة ، وروح واحدة ، وقوة واحدة تدفع نفسها إلى الخارج بدرجات مختلفة من خلال مظاهر الناس والأشياء ؛ ولهذا سيقوا هؤلاء : "نعم ، إن هذا كله واضح ".
ولكن سيقول الآخرون أيضًا : " إن كان لا يوجد سوى عقل الله ، فكيف يمكننى أن أفكر فى أفكار خاطئة أو أى أفكار لا تمط إلى الله بصلة ".
إنه من الصعب تفسير العلاقة بين العقل الشامل وعقولنا الفردية من خلال الكلمات ، ولكن عندما تتضح مرة واحدة ‘ يكون من السهل رؤيتها .
ففي الواقع ، هناك عقل واحد فقط (أو روح ، أى الحياة والذكاء .... ) فى الكون ، ومع ذلك نشعر أننا فرديون ومنفصلون – وهو ذلك الشعور بأن لنا إرادة حرة ، وأننا لسنا دمى .
يتكون الإنسان من الروح والنفس والجسد ؛ الروح هي العنصر الرئيسي الذي لا يتغير فينا ، وهو الجزء الذي لم يتغير منذ الطفولة، ولن يتغير إلى الأبد . ثانيًا النفس ، أو ما يسميه العلماء المسيحيون "العقل المميت" ، هي منطقة الفكر التى نقوم فيها بالتفكير الواعى بإرادتننا الحرة ، ودائمًا ما يكون هذا الجزء فى تغيير مستمر .
حين أتى بنا الله إلى العالم المادى، كانت الروح داخلية ؛ بجانب الله ، كما كانت النفس أى الجسد المائت أى العقل هى الملابس ؛ كما كانت للروح ، أما الجسد فهو الملابس الخارجية للنفس. ومع ذلك ، فكلهم فى الحقيقة واحد؛ يٌكونوا الانسان، مثل البخار فى الوسط ، ثم الماء ، والثلج أى شكلها الخارجى؛ فكلهم واحد، ولكن لديهم درجات مختلفة من التكثيف.
في التفكير في أنفسنا ، يجب ألا نفصل بين الروح والنفس والجسد ، بل نعتبر الجميع واحدًا إن كنا أقوياء. لقد عاش الإنسان بوعي في الجزء الروحي ، و سقط من خلال النزول في وعيه إلى الجزء الخارجي أو الأكثر مادية من نفسه.
اهتمام الجسد ، المصطلح المستخدم كثيرًا والمشتت للكثيرين ، هو الفكر ، الجزء الواعي الذي يجمع معلوماته من خلال الحواس الخمس من العالم الخارجي ؛ فهذا العقل لا يستطيع أن يميز بين الحقيقة والخطأ ، وهذا ما يسميه ( بولس ) باهتمام الجسد ، وهو ما يتناقض مع العقل الروحى ؛ فيقول بشكل قاطع : " لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ ( أى أن تصدق ما يقوله اهتمام جسدك ) هُوَ مَوْتٌ (ألم ، متاعب ، مرض)، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ ( أى أن تكون قادرًا على تهدئة اهتمام الجسد لتدع الروح تتحدث بداخلك ) هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ" . فالروح فى داخلك هى العقل الإلهى - العقل الحقيقى - بدونه يختفى اهتمام الجسد ، تمامًا كما يختفى الظل (الذى يشبه الحقيقى تمامًا ) عندما يختفى الشىء الحقيقى الذى يعكسه . الرجل إذن ،هو العقل الروحى ، والجسدى أى البشرى ، والجسد.
إذا وجدت أن موضوع اهتمام الجسد والعقل الشامل يحيرك ، فلا تقلق بشأنه ولا تناقشه ؛ فكل ما عليك هو أن تدعه جانبًا الأن ، وكلما قرأت المزيد من الدروس ، وجدته واضحًا بالنسبة لك .
هناك اليوم فئتان من الناس ، وفقًا لعقليتهم ، يبحثون عن الخلاص من المرض ، والمشاكل ، والحزن من خلال الوسائط الروحية ؛أحدهم يتطلب أن يتم إثبات كل عبارة بالأدلة المنطقية قبل أن يقتنعوا بها ، والأخرى مستعدة أن تصبح كالأطفال فى لحظة واحدة ؛ فكل ما تحتاجه هو أن تتعلم كيفية اتخاذ الخطوات الأولى نحو الفهم الخالص ( أى معرفة الحقيقة كما يراها الله ) ، ومن ثم تتلقى النور الحقيقى من خلال الإلهام المباشر من الله .
كلاهما يسعيان وسيصلان في النهاية إلى نفس الهدف ؛ ولا يجب إدانتهما.
إذا كنت الشخص الذي يسعى ويتوقع الحصول على أي معرفة إدراكية للأشياء الروحية من خلال الجدال أو التفكير ، بغض النظر عن مدى تحصيلك العلمي أو عن مدى حظك من الحكمة الدنيوية ، فأنت فاشلاً فى الفهم الروحى ؛ حيث أن محاولتك تعد استحالة مطلقة ، أي اكتساب "اللانهائي" بمقياس الربع الخاص بقدرتك الفكرية.
" وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا". في نهاية المطاف ، ستجد أنك تتغلب على كل مكان خارج "مملكة السماء" - على الرغم من قربها – وسترغب حينها فى أن تدع عقلك يأخذ مكان "طفل الصغير" ، والذى بدونه لا تستطيع أن تدخل ملكوت الله .
"مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ"
"فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ"
"لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ"
بالنسبة لجميع أولئك الذين يجب أن يقضوا شهور وربما سنوات من هذه العملية الفكرية أو العقلية البحتة ، هناك اليوم العديد من الكتب التي تساعدهم، والعديد من المعلمين الميتافيزيقيين البحتين الذين يقومون بأعمال نبيلة وجديرة بالثناء في قيادة هؤلاء الباحثين الجديين عن الحقيقة. نحن نطلبهم بكل سرعة.
ولكننا مؤمنين بما قاله بولس : "لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ" ، وأن كل نفس لها حق الوصول المباشر إلى الله ، نكتب إلى ألأطفال الصغار الذين يرغبون فى قبول وتجربة بعض القواعد البسيطة مثل : تعاليم يسوع للجموع الذين سمعوه بفرح ، وقواعد يمكنهم من خلالها العثور على المسيح بداخلهم وبداخل كل واحد فينا ، والعمل على خلاصه من كل الاضطرابات دون أى سؤال أو مناقشة .
وبعبارة أخرى ، هناك طريق مختصر لأعلى التل ، وهناك أيضًا طريقًا جيدًا ، ولكنه طويلاً بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إليه ؛ ولذلك فنحن نفضل الوسائل الأقل تعبًا لتحقيق نفس الغاية – من خلال البحث مباشرة عن روح الحقيقة الذى وعدنا بالسكون بداخلنا ، وإرشادنا إلى الحقيقة .
نصيحتنا هي ، إن كنت ترغب في تحقيق تقدم سريع في النمو نحو التفهم الروحي ، توقف عن قراءة العديد من الكتب؛ فهم فقط يعطونك رأى شخص ما حول الحقيقة ، أو شىء من تجربة الكاتب فى البحث عن الحقيقة ، فكل ما تريده هو الكشف عن الحقيقة في داخلك ؛ وهذا لن يأتي من خلال قراءة العديد من الكتب.
لا تفكر حتى فى مناقشة الدروس مع الأخرين ؛ فاذهب بمفردك ، وفكر وحدك، ابحث وحدك عن النور الحقيقى ، وإن لم تجده سريعًا ، فلا تيأس وتذهب لأحد غيره لتبحث عن النور ؛ لأننا – كما قلنا منقبل – أنت تبحث فقط عن أفكارهم ( من عقلهم الخاطىء ) ، وهكذا أنت تبتعد أكثر عن الحقيقة التى تريد الوصول إليها ؛ حيث أن العقل البشرى أة الجسدى يعطى تقارير خاطئة .
روح الحقيقة التى بداخلك ،هي في دعوتك.
" وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ" . ابحث عنه ، وانتظر بصبر"فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ".
"فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا" ؛ إنه العقل الكامل الذى لا يخطىء أبدًا . اجعل عقلك يكف عن التفكير ، واجعله يتحدث معك، وعندما يتحدث، على الرغم من كونه صوت خافت ، ألا أنك ستعلم أن ما يقوله هو الحقيقة.
كيف ستعرف؟
ستعرف بنفس الطريقة التى تعرف بها أنك حيًا ، فكل الحجج الموجودة فى العالم التى تحاول إقناعك بعكس الحقيقة ستسقط جانبًا دون ضرر، وحينئذ يمكنك استخدام الحقيقة التى تعرفها – ليس فقط تؤمن بها – لمساعدة الآخرين؛ حيث أن ما يخرج من روحك يمكن أن يصل إلى الروح العميق لمن تتحدث إليه. أما ما يخرج من العقل ، فلا يصل إلا للعقل.
أن الفكر أو العقل الخاطئ الذي هو خادم للعقل الحقيقي وكخادم (ولكن ليس كسيد) هو جيد ، يحب أن يجادل. لكن بما أن معلوماته مبنية على أدلة الحواس (التي تنتمي إلى الجسد) وليس على الأفكار الحقيقية للعقل الإلهي فينا ، فهي قابلة للخطأ بل ومليئة بالأخطاء.
العقل يجادل ، أما الروح فتكشف أعماق الله ؛ أحدهما قد يكون صحيحًا ، والآخر دائمًا ما يكون صحيحًا ؛ فالروح لا تعطى آراء حول الحقيقة ، أنما هى الحقيقة التى تكشف عن نفسها .
لقد قال أحدهم أن الطفل الأصغر الذى اعتاد أن يقول " أبانا " من عمق نفسه ، هو أكبر من الرجل الأذكى الذى لم يتعلمها بعد ؛ فقد كان بولس رجلاً يتمتع بذكاء هائل ، وتعلم في كل الناموس ، وهو أحد الفريسيين ، ولكن بعد أن أنارت الروح القدس روحه ، فكتب :" لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس".
الآن ، يحدث فرقًا كبيرًا في حياتنا اليومية بما نفكر فيه ب"العقل المائت" عن الله وعن أنفسنا وعن جيراننا، ونتيجة جهلنا بأنفسنا الحقيقية ونتائج تفكيرنا، تركنا أفكارنا تتدفق بشكل عشوائي. لقد تحولت عقولنا نحو الخارج، نحو الجسد ،و نحو جميع المعلومات التي حصلنا عليها من خلال الحواس الخمس . كان تفكيرنا خاطئًا ، فكل معلوملتنا المضللة عن طريق هذه الحواس ،مشاكلنا ، والآمنا كانت نتيجة تفكيرنا الخاطىء .
ويقول أحدهم :" ولكن ،لا أرى كيف يمكن أن يكون تفكيرى الشرير أو الخاطىء عن الله أو الآخر سببًا فى مرضى ، أو فى فقدان زوجى لمنصبه .
حسنًا لن أحاول الآن شرح آلتنا العقلية التى تتسبب فى نتائج سلبية نتيجة للتفكير الخاطىء ، ولكن سأطلب منكم فقط أن تجربوا التفكير بطريقة صحيحة ، ودعونا نرى النتيجة .
اجعل تركيزك على هذه العبارة : "الله يحبني ويوافق على ما أقوم به"،
فكر في هذه الكلمات مرارًا وتكرارًا لبضعة أيام ، وحاول أن تدرك أنها صحيحة ؛ وانظر ماذا سيكون التأثير على جسمك وظروفك.
أولاً ستحصل على عقل مبهج برغبة كبيرة وإحساس بالقوة لإرضاء الله ، كما أنك ستحصل على دورة دموية أسرع وأفضل ، مع الشعور بالدفء فى الجسم ، مما يؤدى إلى هضم أفضل، وغيرها .
فى وقت لاحق عندما تتدفق الحقيقة من خلالك إلى من حولك ، سترى الجميع يظهرون حب جديد لك دون أن تعرف السبب ، وأخيرًا سوف تتغير الظروف و تنسجم مع رغباتك بدلاً من أن تضرهم .
إن الجميع يعلم كيف تحول أفكار الحزن والقلق الشعر إلى أبيض فى خلال ساعات قليلة، إلى أى مدى يجعل الخوف الشديد القلب يثب بسرعة كبيرة حتى يبدو أنه " على وشك الخروج من الجسم "؛ هذه النتيجة لا تعتمد على الإطلاق على ما إذا كان هناك أي سبب حقيقي للخوف أو أن يكون السبب وهمي بحت ؛ وهكذا ، فإن أفكار النقد ستؤدي إلى ظهور حمض الدم ، مما يسبب الروماتيزم ، كما أن تحمل الأعباء العقلية يجعل الكتفين أكتر انحناء من الكتفين التى تحمل الأحمال الثقيلة .
الاعتقاد بأن الله يعتبرنا "خطاة بائسين" ، وأنه يراقبنا باستمرار، و يرى إخفاقاتنا باستنكار ، يجلب لنا الإحباط التام ،ونوع من الحالة المقلقة للعقل والجسم ؛ مما يعني الفشل في جميع أعمالنا.
إنه من الصعب أن نفهم إن كان الله بداخلنا فى كل الأوقات ، فلماذا يتركنا الله أن نفكر بأفكار خاطئة ، وأن نجلب لأنفسنا المتاعب بدلاً من أن يجعل أفكارنا صحيحة ؟
حسنا ، نحن لسنا انسان آلى ، فلن يتعلم طفلك أبدًا المشي وحده إذا كنت تساعده دائمًا؛ لأنك تدرك أن السبيل الوحيد لكي يكون قوياً ، ويعتمد على نفسه في كل شيء- أو بعبارة أخرى - أن يصبح رجلاً ، هو اعتماده على نفسه والسماح له - من خلال التجربة – بالتعرف على الأشياء لنفسه ، فأنت بالطبع لا تريد دمية ؛ تتخذ أنت الخطوات بدلاً منها ، على الرغم من أنك تعرف أنه سوف يسقط كثيرًا وربما يتعرض لكدمات ، في طريقه إلى تكوين الرجولة البدنية المثالية.
ففى أثناء عملية نمو العقل ، و روح الرجولة والأنوثة ، لقد سقطنا العديد من المرات ، وتعثرنا في الطريق ، ولكن فقط من خلال هذه - وليس بالضرورة من خلالهم - يمكن أن يستمر نمونا ؛ فلا يمكن لأب أو أم ، بغض النظر عن مدى قوتهما أو عمق حبهما لأولادهم ، أن ينمو بدلاً منهم ، وهكذا لا يمكن أن ينمو الله - الذي هو القدرة الكلية – مركز وجودنا، روحياً بدلاً منا دون أن يجعل منا انسانًا آليًا.
إذا جعلت أفكارك تتجه نحو الخارج أو نحو الآخرين ، فسترى فقط الأشياء التي ليست حقيقية بل مؤقتة وزائلة ؛ فجميع العيوب ،أو الإخفاقات ، أو النقص في الأشخاص ، أو الظروف سوف تبدو حقيقية بالنسبة لك ، وستكون سعيدًأ ، وبائسًا ،ومريضًا .
إذا حولت أفكارك عن الخارج نحو الأفكار الروحية ، وتركتها تتوجه نحو الصالح في نفسك والآخرين ، فإن كل الشر الظاهر سيغادر فكرك أولاً ، ثم يغادر حياتك ؛ وقد أدرك بولس ذلك حينما كتب فى رسالته إلى فيلبى :
"اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن ان كانت فضيلة و ان كان مدح ففي هذه افتكروا".
يمكننا أن نتعلم كيف ندير عقولنا الواعية نحو العقل الشامل ، أو الروح بداخلنا. كما يمكننا ، من خلال الممارسة العملية ، أن نتعلم كيف نجعل هذا العقل الجسدى والفوضوى ساكنًا ويكف عن التفكير ، لنجعل العقل – الذى هو الله – كلى الحكمة ، وكلى المحبة يعمل فينا .
تخيل لو أردت ، خزان كبير ، يتكون من عدد لا يحصى من القنوات الصغيرة ، في نهايته البعيدة ، تؤدى كل قناة إلى نافورة صغيرة ؛ لا يتم ملء هذه النافورة وتجديدها بشكل مستمر من الخزان فحسب ، بل هو نفسه مركز إشعاعي يضخ المياه فى جميع الاتجاهات التي يستقبل منها، لذلك كل من يأتى حولها ينتعش ويتبارك .
هذه هى بالضبط علاقتنا بالله ؛ فكل واحد منا هو مركز مشع، كل واحد مهما كان صغيراً أو جاهلاً ، هو النافورة الصغيرة في الطرف البعيد للقناة التي يتصل الطرف الآخر منها بالله . تمثل هذه النافورة إرادتنا الحرة أو المستقلة المنفصلة عن الينبوع -الله – ولكن لكوننا واحد معه ، فنحن نٌجدد و نتغذى باستمرار ؛ وبدونه نحن لسنا شيئً .
كل واحد منا ، بغض النظر عن مدى عدم أهميته للعالم، قد يتلقى من الله الخير غير المحدود من أي نوع يرغب فيه ، ويشعه في كل مكان حولنا. لكن تذكر ، يجب علينا أن نشع إذا تلقينا المزيد؛ فالركود هو موت.
و أريد أن يدرك أبسط العقول هذه الفكرة ؛ وهي أن حكمة الله ، والمحبة ، والحياة ، والقوة التي هي الله على استعداد وينتظر أن يتدفق عبرنا بدرجة غير محدودة . فعندما يتدفق في درجة غير عادية من خلال هؤلاء العقول يهتف الرجال: "يا له من عقل رائع!" ، أما عندما يكون من خلال هذه القلوب ، فيكون ذلك الحب الذي يذوب كل مرارة ،وحسد، وأنانية ،وغيرة ،و عندما يكون من خلال أجسادنا كالحياة فلا يمكن لأي مرض أن يصمد أمامه.
ليس علينا أن نستجدى من الله ، كما أننا لا نستجدى من أجل أن تشرق الشمس ؛ فالشمس تشرق ؛ لأن هذا هو قانون وجودها ، وليس بإمكانها تغييره ، وهكذا لا يمكن لله أن يتوقف عن إعطائنا حكمة غير محدودة ، حياة ، قوة ، كل خير ؛ لأن العطاء هو قانون كيانه. لا شيء يمكن أن يوقفه إلا إرادتنا الحرة ؛ فقد تشرق الشمس بشكل ساطع على الإطلاق ، ولكن إذا وضعنا أنفسنا من خلال الحزن ،أو الجهل ،أو وضعنا من قبل أسلافنا ، في الزاوية البعيدة من سرداب رطب مظلم ، فإننا لا نحصل على الفرح أو الراحة من اللمعان ؛ فبالنسبة لنا ، لن تشرق الشمس أبدًا.
وحتى الأن لم نعرف شيئًا عن كيفية إخراج أنفسنا من سرداب الجهل ، والشك ، واليأس. وبسبب تفكيرنا الخاطئ ، نظن أن الله يحجب عنا الحياة، والحكمة ،والقوة ؛ فلقد أردنا الكثير ، ولكننا لم نطالب به بجدية قط .
فالشمس لا تشع الحياة والدفء اليوم ، والظلام والبرد فى الغد ، كما أن الله لا يشع الحب حينًا، والغضب والاستياء حينًا ؛ فهل يمكن للنافورة أن تضخ فى أن واحد ماء حلو ومر ؟ هل يمكن أن تحمل شجرة التين التوت و الزيتون؟ أم التين والعنب ؟
فالله كله صلاح ؛ دائمًا صالح ، ودائمًا محب ، فهو لا يتغيرأيًا كان ما نفعله أو ما فعلناه ، فهو دائمًا ما يحاول أن يظهر نفسه أكثر من خلالنا ؛ ليجعلنا أعظم ، وأكبر ، وأكمل ، وأكثر حرية.
فعندما يصرخ الطفل إلى الله الذى يعد الأب و الأم ، يتوق الله إليه بحنان لا نهائى لإرضاء الطفل .
"في قلب الرجل صرخة ، في قلب الله العوض".
فلا يوجد سوى عقل واحد فى الكون ، فالعقل البشرى عقل خاطىء وذكى ؛ حيث يجمع معلوماته ويتحدث من العدم ، أما العقل الشامل فيرى ويتحدث من الداخل .
فالعقل خادم للروح ، والجسد خادم للعقل. وطريقة تفكيرنا تخلق السعادة والتعاسة ، ويمكننا بقليل من الجهد تغيير طريقة تفكيرنا .
الله كما هو في جميع الأوقات ، بغض النظر عن ما يسمى خطية ، فهو دائمًا ما يعطينا المزيد من الخيرات؛ لجعل حياتنا أفضل وأكثر نجاحًا .
الدرس الثانى – الفكر
الكتاب المقدس : فيليبي5:2 ، كورنثوس الأولى 25:1 ، ملوك الأول 12:19
أسئلة على "الفكر"
- هل يوجد أكثر من عقل ؟
- لماذا نرى أن هناك أكثر من عقل ؟
- ما هى المراحل الثلاث للانسان ؟ وما علاقتهم ببعض ؟
- هل يمكن أن يؤثر تفكيرنا على الظروف المادية؟
- لماذا لا يجبرنا الله على التفكير والتصرف الصحيح؟
Copyright of Arabic Translation © 2021 by TruthUnity.net under Creative Commons Attribution-NoDerivatives 4.0 International (CC BY-ND 4.0). This is an open source copyright. You are free and encouraged to use this translation for creating ebooks and printed material under certain conditions.